في كلمته خلال مؤتمر بالدوحة .. أمير قطر يقترح إنشاء منتدى دائم للحوار الأمريكي الإسلامي ويدعو واشنطن للتعامل بعدالة

أمير قطر يقترح إنشاء منتدى دائم للحوار الأمريكي الإسلامي ويطالب الولايات المتحدة بالتعامل بقدر أكبر من التوازن والعدالة مع القضايا العربية والإسلامية.
اقترح أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إنشاء منتدى دائم للحوار الإسلامي الأمريكي، وطالب الولايات المتحدة بالتعامل بقدر أكبر من التوازن والعدالة مع القضايا العربية والإسلامية.
جاء ذلك في كلمة له خلال مؤتمر “علاقات أمريكا والعالم الإسلامي”، الذي استضافته العاصمة القطرية الدوحة بين يومي 19 و21 أكتوبر/تشرين الأول 2002، ومثل فرصة لقطر لتقديم رسائل عديدة إلى الولايات المتحدة.
وبافتتاح فعاليات المؤتمر، السبت 19 أكتوبر/تشرين الأول، شدد الأمير على أهمية العلاقات بين الولايات المتحدة والعالمين العربي والإسلامي، وضرورة العمل على تعزيزها من أجل تحقيق المصالح والطموحات المشتركة.
وقال: “أهمية العلاقات بين دولنا العربية والإسلامية والغرب عامة، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، ليست أمرا طارئا ولا عرضيا على مفاهيمنا الاستراتيجية والسياسية، بل تمثل تعبيرا حقيقيا عن حقائق تاريخية لا يمكن تجاهلها أو التغاضي عن معطياتها”.
وأضاف: “علاقاتنا مع الولايات المتحدة لا تمليها المصالح والأهداف المشتركة فحسب، بل إننا نتفق معها أيضا في كثير من القضايا الجوهرية التي تنبع من معتقداتنا وطموحاتنا”.
وأوضح أن “جزءا كبيرا من المبادئ التي تأسس عليها المجتمع الأمريكي، والتي تُعتبر أركانا للحضارة الغربية المعاصرة، ليست بعيدة عن القيم السامية والمبادئ الراسخة التي نعتز بها في حضارتنا العربية والإسلامية”.
مبادئ قطر
ومتحدثا عن المبادئ والقيم التي تدافع عنها قطر ومبادئ سياساتها الخارجية، قال الأمير: “نحن نؤمن بالعدالة والحرية والمساواة واحترام حقوق الإنسان وتكافؤ الفرص، ونشجع روح المبادرة، ونسعى جاهدين إلى إرساء المشاركة الشعبية كقاعدة لاتخاذ القرار وإدارة شؤون الحكم والإدارة في بلادنا”.
وأضاف: “كما نحرص على أن تقوم سياستنا الخارجية على أسس الشرعية الدولية، والتعايش، والاحترام المتبادل”.
وأوضح أن عدم تطبيق هذه المبادئ بشكل صحيح في بعض المجتمعات العربية والإسلامية “لا يعود إلى خلل في المبادئ ذاتها، بل إلى طريقة تطبيقها”.
وأكد أن “هذه المبادئ مستمدة من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف الذي يأمرنا باحترام الديانات السماوية الأخرى والانفتاح على أتباعها. ومنها أيضا نستمد نظرتنا المعاصرة إلى الغرب وحضارته ومجتمعاته بوصفها شريكا أساسيا في مسعانا لتحقيق أهداف التنمية والتقدم في بلادنا”.
لكن الأمير شدد على أن “هذه الشراكة والصداقة لا تعني التطابق التام في وجهات النظر ولا فقدان الهوية، فالحلفاء والأصدقاء لا يتفقون في كل شيء، وإنما المهم أن يتحلوا بالصراحة وأن يتعاملوا مع بعضهم على أساس الصداقة والمساواة والثقة المتبادلة”.
وأشار إلى أنه “انطلاقا من العلاقات الوثيقة التي تربطنا بها أولوية استراتيجية في سياستنا الخارجية، لم تتردد قطر إطلاقا في إدانة هجمات 11 سبتمبر الإرهابية ضد الولايات المتحدة، حيث أعربت عن تعاطفها العميق مع ضحاياها وما خلّفته من خسائر ومعاناة للمدنيين الأبرياء”.
رسائل لأمريكا
وبالنظر إلى أبعاد هذا الحدث وضخامته وخطورة عواقبه، دعا أمير قطر إلى البحث العميق في أسبابه الحقيقية ودوافع منفذيه.
ووجه رسائل إلى الجانب الأمريكي شدد فيها على ضرورة التمييز بين الإرهاب بجميع أشكاله وصوره، وبين الحق المشروع للشعوب في الدفاع عن نفسها وتحرير أراضيها والكفاح من أجل استرجاع حقوقها.
كما دعا واشنطن إلى عدم الوقوع في خطأ ربط الإرهاب بدين معين أو حضارة محددة أو قومية أو شعب بعينه، مشيرا إلى المحاولات المضللة التي انتشرت في بعض الدوائر السياسية والإعلامية والاجتماعية الغربية، وخاصة الأمريكية عقب أحداث العام الماضي، والتي سعت إلى وصم الإسلام بالإرهاب.
وقال: “الإسلام كدين وثقافة وحضارة براء من الإرهاب والإرهابيين. أما الذين يمارسون الإرهاب تحت شعارات الإسلام، فهم لا يختلفون عن سائر المتطرفين الذين رفعوا دعوات التعصب والعزلة في كل الديانات والمجتمعات والدول، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهودا أو غير ذلك. فالتعصب يبقى تعصبا، والإرهاب يظل إرهابا، مهما كانت شعارات أو أساليب أو انتماءات مرتكبيه”.
دعوة للعدالة
كما دعا أمير قطر الولايات المتحدة إلى التعامل مع القضايا العربية والإسلامية بقدر أكبر من الإنصاف والعدل والمساواة.
وقال: “لأكون صريحا، نحن لا نطلب من الولايات المتحدة التخلي عن علاقاتها الخاصة مع إسرائيل، بل ندعوها، بصفتها قوة عظمى، إلى الاضطلاع بمسؤولياتها والتزاماتها الدولية والسياسية والأخلاقية تجاه القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، وفقا لقرارات الشرعية الدولية”.
ودعاها كذلك إلى “بذل الجهود والضغوط اللازمة على إسرائيل لإنهاء احتلالها للأراضي العربية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية والجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية، حتى يصبح من الممكن التوصل إلى تسوية سياسية شاملة وعادلة ودائمة على أساس تلك القرارات”.
وفي هذا الصدد، أعرب عن تقديره للرؤية التي أعلنها الرئيس جورج بوش كأساس للتسوية.
وأضاف: “لكننا ما زلنا نأمل أن نرى الآليات العملية والجداول الزمنية التي تُترجم هذه الرؤية إلى واقع ملموس”.
دعوة للحوار
في كلمته كذلك، أشار أمير قطر إلى الظروف الحرجة السائدة في منطقة الخليج والشرق الأوسط.
وقال إن عالمنا يقف عند مفترق طرق حاسم، وربما تكون مسألة العلاقات بين الولايات المتحدة والعالمين العربي والإسلامي ـ وهي محور مداولاتنا في هذا المؤتمر ـ خير دليل على أهمية القضايا التي نواجهها، وعلى الحاجة الملحة لإيجاد الحلول المناسبة لها.
وأعرب عن أمله في أن نبدأ من هنا الخطوة الأساسية الأولى المطلوبة في هذا الصدد، وهي الحوار، الذي يُعتبر ضرورة لا غنى عنها.
واقترح في هذا الصدد إنشاء منتدى دائم للحوار الإسلامي-الأمريكي، بهدف مناقشة القضايا الحيوية ذات الاهتمام المشترك لبلداننا وشعوبنا.
وأوضح: “نحن ندافع عن مبدأ الحوار الرامي إلى تعميق مجالات الفهم وإرساء قواعد الاحترام المتبادل والصداقة والتعاون بين بلداننا ومجتمعاتنا”.
وموضحا أهمية هذا المنتدى، أكد أنه لا بديل عن الجلوس معا والتوصل بشكل مشترك إلى حلول لمشكلاتنا.
وأضاف: “ومن خلال هذه الحلول يمكن أن نبدأ التخطيط لمستقبل مشترك نتعاون فيه من أجل خير شعوبنا ومجتمعاتنا، سعيا لبناء عالم أفضل للأجيال الحاضرة والمقبلة، عالم يقوم على الإيمان المشترك بمبادئ العدالة وحقوق الإنسان والانفتاح المتبادل بين جميع الشعوب والأمم والثقافات”.
وعلى مدار 3 أيام، وعبر 10 جلسات مغلقة، ناقش المؤتمر، الذي نظمته قطر بالاشتراك مع معهد “بروكنجز” للدراسات بالولايات المتحدة، عددا من القضايا.
شملت القضايا العلاقات بين أمريكا والعالم الإسلامي، وما يعتريها من عقبات، والآفاق التي يمكن أن تفتح أمامها، وتأثيرات هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 بالولايات المتحدة على العالم الإسلامي، والحملة التي أطلقتها أمريكا على الإرهاب.
الرسائل تتواصل
رسائل الدوحة إلى الولايات المتحدة، خلال فعاليات المؤتمر، لم تتوقف عند أمير البلاد؛ إذ وجه وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني مجموعة أخرى من الرسائل.
وقال بن جاسم، في كلمته بختام المؤتمر الإثنين 21 أكتوبر/تشرين الأول، إن بلاده تؤمن بحاجة شعوب المنطقة إلى التغيير باتجاه الديمقراطية بصرف النظر عما تراه الولايات المتحدة بهذا الخصوص.
وأكد أن العلاقة الوطيدة التي تربط بلاده بالولايات المتحدة لا تعني بحال من الأحوال موافقة بلاده على سياسات واشنطن بشكل تام.
وأوضح أن بلاده، مثلا، تختلف مع الولايات المتحدة في “مبدأ تغيير السلطة في العراق”، واصفا هذا المبدأ بأنه “خطير”.
وقال: “إذا كان العراق يمثل خطرا؛ فيجب أن تكون هناك براهين كافية على ذلك، وهذا لا يتأتى إلا عن طريق المفتشين الدوليين لمعرفة وجود أسلحة دمار شامل في العراق من عدمه”.
كما اعتبر أن “مبدأ ربط الإرهاب بالعراق خطأ”، لافتا إلى أن قطر “تفضل اتباع طريق سلمي وحازم لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالعراق”.
ودعا إلى وضع تاريخ محدد لإغلاق الملف العراقي حال تنفيذ بغداد لقرارات الأمم المتحدة دون عرقلة.
ومضى قائلا: “علينا أن نركز على ماذا نريد من العراق ومن صدام حسين.. ولنحدد بعد ذلك ما نريده”.
ومؤخرا، تصاعدت تهديدات أمريكا بشن عمل عسكري على العراق في ظل رفض بغداد لقرار مجلس الأمن “1284”، الصادر في ديسمبر/كانون الأول 1999، ويقضي بتشكيل فريق دولي جديد للتفتيش عن ما سماه “أسلحة الدمار الشامل” بالعراق.
فيما صرح مساعد وزير الخارجية الأمريكي جون بولتون في أغسطس/آب 2002 بأن “هدف الولايات المتحدة هو تغيير النظام بالعراق، وأن عودة محتملة لمفتشي الأمم المتحدة إلى البلاد لن تغير شيئا”.
ويرى العراق أن فريق التفتيش الأول، الذي تشكل في يوليو/تموز 1991 بقرار مجلس الأمن “687”، وغادر نهاية 1998 بدعوى عرقلة عمله، بإمكانه استئناف مهمته، لكن بشرط وضع جدول زمني لمهمته ورفع الحصار والعقوبات عن بغداد.
وفي رسالة أخرى، نفى بن جاسم صحة ما يتردد في أوساط أمريكية من أن مناهج التعليم في المنطقة العربية “تحث على الإرهاب”، وقال إن العكس هو الصحيح؛ فهي “تخفف منه”.
أمريكا بعيون العرب
وحرص بن جاسم، خلال كلمته بختام المؤتمر على إطلاع الولايات المتحدة على رؤية المواطن في الشارع العربي والمسلم لسياساتها بالمنطقة؛ فهو يريد العدالة منها عند طرحها للقضايا التي تشغله.
وأوضح: “كمواطن أرى أن إسرائيل وباكستان والهند وغيرها من الدول تملك أسلحة دمار شامل، وهي خطيرة علينا في المنطقة، فلماذا لا تمثل خطرا على أمريكا؟”، في إشارة إلى التركيز الأمريكي على العراق في هذا الصدد.
وأضاف: “المواطن يتساءل عن وجود قرارات لمجلس الأمن تتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي لم تُطبّق حتى الآن”.
واعتبر الوزير القطري أن تساؤلات الشارع العربي في هذا الصدد “منطقية”.
كما انتقد القانون الذي أجازه الكونغرس الأمريكي في 30 سبتمبر/أيلول 2002، والذي يعتبر القدس عاصمة أبدية لإسرائيل.
ولفت إلى أن أعضاء الكونغرس يفتقرون إلى المعلومات، وأن معظمهم لم يتجاوزوا حدود الولايات المتحدة.
وأكد في هذا الصدد أن الصراع العربي الإسرائيلي “يجب أن يُحل خارج إطار الإرهاب والحروب، وفي إطار الحوار المباشر بين العرب والإسرائيليين”.
وبعد مؤتمر مدريد للسلام مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 1991، الذي حدد إطارا لعملية السلام، وقعت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، في مدينة أوسلو النرويجية 13 سبتمبر/أيلول 1993، إعلان مبادئ للحكم الذاتي.
وفي 4 مايو/أيار 1994، وقّع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات بالعاصمة المصرية القاهرة، اتفاقا للحكم الذاتي.
لكن محادثات بين عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، استضافها الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في كامب ديفيد، في يوليو/تموز 2000، انهارت بسبب الخلافات على مسألتي القدس واللاجئين الفلسطينيين.
وفي مارس/آذار 2002، أقرت الجامعة العربية خلال قمة بيروت “مبادرة السلام العربية”، التي تطالب بإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية، وانسحاب تل أبيب من الأراضي التي تحتلها، مقابل اعتراف عربي بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها.
نصيحة لحكومات العرب
وفي نهاية كلمته، وجه بن جاسم نصيحة للحكومات العربية داعيا إياها إلى الشفافية مع شعوبها حتى لا تختلف المعلومة التي يقدمها الإعلام الرسمي مع تلك التي تصل إلى المواطن.
وتساءل مستنكرا: “إذا كانت علاقاتنا مع أمريكا جيدة فلماذا نخفي ذلك (عن الشعوب)؟”.
وأكد أنه من المهم أن تبقى تلك العلاقة “مكشوفة للمواطن دون خداع”، لأن الشفافية في مثل هذه الأمور توصل إلى نتائج جيدة.
وشارك في منتدى “علاقات أمريكا والعالم الإسلامي” نحو 60 شخصية بارزة من الولايات المتحدة و25 دولة إسلامية، بينهم إعلاميون وعلماء دين ودبلوماسيون ومفكرون وسياسيون وباحثون.
من أبرز تلك الشخصيات: مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق لشؤون الشرق الأوسط مارتين إنديك، ومسؤول الشؤون الخارجية بصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية توماس فريدمان.
كما شارك في المنتدى العلامة الشيخ يوسف القرضاوي، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران زيبا كلام، ورئيس تحرير مجلة “نيوزويك” فريد زكريا.
مصادر الخبر:
–حمد بن جاسم: شعوب المنطقة بحاجة إلى التغيير
–أمير قطر يطالب واشنطن بعدالة التعامل مع القضايا العربية
–2002 Doha Conference on U.S. Relations with the Islamic World