بجهود وساطة قادها أمير قطر.. السودان وإريتريا يوقعان اتفاق صلح تاريخيًا في الدوحة بعد خمس سنوات من القطيعة

السودان وإريتريا يوقعان اتفاق صلح في الدوحة بجهود وساطة قادها أمير قطر بهدف ترسيخ الأمن والاستقرار في البلدين وفي منطقة القرن الأفريقي
أثمرت جهود وساطة قادها أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عن توقيع الرئيس السوداني عمر البشير ونظيره الإريتري أسياس أفورقي، الأحد 2 مايو/أيار 1999، “اتفاق صلح” في الدوحة.
وذكرت وكالة الأنباء القطرية “قنا” أن السودان وإريتريا اتفقا في إطار الوساطة القطرية على تصفية الأجواء وتسوية الخلاف القائم بينما منذ خمس سنوات.
وأضافت أن مراسم التوقيع على الاتفاق جرت بحضور أمير قطر، وولي العهد جاسم بن حمد آل ثاني، ووزير الخارجية حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، ورئيس الديوان الأميري عبد الله بن خليفة العطية، ووزير الدولة للشؤون الخارجية أحمد بن عبد الله آل محمود، ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء علي بن محمد الخاطر، ووزير العدل حسن بن عبد الله الغانم.
ومن الجانب السوداني، حضر مراسم التوقيع وزير رئاسة الجمهورية بكري حسن صالح، ووزير الدولة قطبي المهدي، ووزير الدولة في وزارة العلاقات الخارجية علي النميري.
أما من الجانب الإريتري، فقد حضر وزير الصناعة والتجارة علي سعيد عبد الله، ومدير الإدارة العربية بوزارة الخارجية حامد حمد.
بنود الاتفاق
وجاء في ديباجة الاتفاق أنه يأتي استجابة لوساطة دولة قطر الرامية إلى ترسيخ الأمن والاستقرار في البلدين وفي منطقة القرن الأفريقي، واستنادا إلى مذكرة التفاهم الموقعة بين الجانبين في الدوحة بتاريخ 10 نوفمبر/تشرين الثاني 1998.
وتضمن الاتفاق ستة بنود نصت على: استعادة العلاقات الدبلوماسية بين السودان وإريتريا (1)، واحترام القوانين والأعراف الدولية المنظمة للتعايش السلمي وعلاقات حسن الجوار (2)، إلى جانب احترام الخيارات السياسية لكل بلد وشعب والامتناع عن تصدير الأيديولوجيات والسعي لفرضها (3).
كما شملت البنود: التزام البلدين بعدم استضافة أو تنظيم مؤتمرات إقليمية أو دولية تهدف إلى تبني سياسات أو تنسيق مهام تشكل تهديدا لأمن واستقرار الدول المجاورة (4)، وحل الخلافات المتبقية بالطرق السلمية (5)، وإنشاء لجان مشتركة لمعالجة القضايا العالقة ولا سيما الأمنية، ولتنفيذ ما تم الاتفاق عليه (6).
وقّع على الاتفاق البشير وأفورقي، فيما شارك أمير قطر كطرف ثالث ضامن.
ووفق قناة “الجزيرة” القطرية، سيلتزم السودان وإريتريا، استجابة لبنود الاتفاق، بوقف الحملات الإعلامية العدائية المتبادلة، مع احترام سيادة كل دولة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
كما اتفق الطرفان على تشكيل لجنة مشتركة لمتابعة التنفيذ، على أن تتولى قطر تحديد موعد اجتماعها الأول في الخرطوم أو أسمرة بالتنسيق مع الجانبين.
ورغم أن موضوع نشاط المعارضة السودانية في إريتريا لم يُذكر بشكل مباشر، فقد جرى تفاهم ضمني على أن يشمله الاتفاق عمليا.
وخلال مراسم التوقيع على الاتفاق، ألقى أمير قطر كلمة رحب فيها بالرئيسين البشير وأفورقي، وشكرهما على حضورهما في الدوحة.
كواليس المصالحة
وبشأن كواليس المصالحة، وصل البشير إلى الدوحة قبل ساعات من توقيع الاتفاق، فيما سبقه أفورقي إلى هناك بيوم واحد، حيث عقد مباحثات مع أمير قطر في الأول من مايو/أيار 1999.
وفي يوم التوقيع، وصل أفورقي ووفد بلاده أولا إلى قاعة في الديوان الأميري، ثم دخل أمير قطر إلى القاعة يرافقه البشير وأعضاء الوفد السوداني.
وفي تلك اللحظة، تصافح البشير وأفورقي، وتبادل الوفدان السوداني والإريتري التحية، فيما جلس الأمير متوسطا الرئيسين.
وبعد نحو أربعين دقيقة من اجتماع القادة الثلاثة، تبلور مشروع الاتفاق.
وعقب التوقيع على الاتفاق مباشرة، دعا الأمير ضيفيه والوفدين المرافقين لهما إلى مأدبة غداء أقامها على شرفهما، تخللتها تعليقات طريفة حملت رمزية “الماء والملح” الذي جمع الخصمين السابقين على مائدته، إيذانا ببدء صفحة جديدة في مسار المصالحة.
وفي تصريحات مع الصحفيين بعد التوقيع على الاتفاق، توجه البشير بالشكر إلى أمير قطر ووزير خارجيته على جهودهما الكبيرة، معربا عن أمله في أن تعود العلاقات بين السودان وإريتريا إلى طبيعتها، وواصفا اتفاق الدوحة بأنه “انطلاقة جديدة”.
وردا على سؤال بشأن تصفية الخلافات تماما بين الخرطوم وأسمرا، قال إن هناك قناعة مشتركة للانطلاق من جديد، مؤكدا أن التجربة السابقة كانت درسا مؤلما للبلدين اللذين دفعا ثمنا باهظا للنزاع.
وكشف عن آلية متابعة عبر لجنة مشتركة تشرف على تنفيذ الاتفاق، بما يشمل إعادة العلاقات الدبلوماسية والبت في مستوى التمثيل.
كما أوضح أن مصير المعارضة السودانية المقيمة في أسمرا يدخل ضمن صلاحيات اللجنة.
أما أفورقي، الذي تحدث مباشرة بعد البشير، فأكد أن مسألة المعارضة لم تُطرح خلال المباحثات.
ومع ذلك، بدا متفائلا وأثنى على “الدور البناء” للقيادة القطرية في إنجاز الاتفاق، واصفا وساطتها بأنها “شراكة فاعلة” جاءت نتيجة استعداد الطرفين للتقارب بعد عقد من الخلافات.
واعتبر أن اتفاق الدوحة يمثل بداية لمسار طويل يحتاج إلى عمل مشترك لإعادة المياه إلى مجاريها، مشيرا إلى أن نجاح المبادرة القطرية ارتبط بتوقيت مناسب وطريقة مختلفة عن الوساطات التقليدية.
وأضاف: “لن أكون واقعيا إذا قلت إن الأمور حُسمت في يوم وليلة، لكنه بالفعل بداية في مشوار المصالحة”.
وفي ختام الزيارة، غادر البشير وأفورقي معا في سيارة واحدة متجهين إلى مطار الدوحة، حيث جلسا في المقعد الخلفي، بينما جلس الأمير حمد بن خليفة في مقعد مواجه لهما.
وقد غادر أفورقي أولا، تبعه البشير عائدا إلى بلده.
اجتماع الترابي والمهدي
وبالتوازي مع المصالحة في الخارج، شهد الداخل السوداني تحركا مماثلا، إذ التقى رئيس البرلمان حسن الترابي في جنيف السبت 1 مايو/أيار 1999 الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة المعارض، وأحد قادة تحالف “التجمع الوطني الديمقراطي” للمعارضة، الذي تستضيف أسمرة.
واتفق الطرفان على “العمل باتجاه اتفاق سياسي سوداني” يضع جدولا وآلية لمعالجة القضايا الوطنية الخلافية بين الحكومة والمعارضة.
وجاء في بيان حزب الأمة أن الاجتماع بين الترابي والمهدي – وهو الأول منذ مغادرة الأخير السودان في 11 ديسمبر/كانون الأول 1996 إلى إريتريا ثم القاهرة – يمثل خطوة جديدة على طريق المصالحة الداخلية.
جذور الخلاف
وتعود جذور الخلاف إلى ديسمبر/كانون الأول 1994 حين قطعت إريتريا علاقاتها الدبلوماسية مع السودان، متهمة الخرطوم بـ”محاولة زعزعة استقرارها” عبر تدريب وتسليح “جماعة الجهاد الإسلامي الإريترية” التي كانت تسعى لإقامة خلافة في القرن الإفريقي.
ورد السودان باتهام إريتريا بدعم الجناح المسلح لـ”التجمع الوطني الديمقراطي” والسماح له بشن هجمات انطلاقا من أراضيها.
وكانت أسمرة قد استضافت بالفعل مؤتمرا للمعارضة السودانية عام 1995 لتوحيد صفوفها، فيما رعت الخرطوم في مارس/آذار 1999 مؤتمرا لإنشاء جبهة موحدة للمعارضة الإريترية.
وفي يونيو/حزيران 1998، أطلق أمير قطر مبادرة للمصالحة بين البلدين، تزامنت مع حرب إريتريا ضد إثيوبيا.
ونجحت الوساطة القطرية في جمع وزيري خارجية السودان مصطفى عثمان إسماعيل وإريتريا هايلي ولد تنسائي في الدوحة يوم 10 نوفمبر/تشرين الثاني 1998، حيث وقعا “مذكرة تفاهم” مهدت لاحقا لاتفاق الصلح الذي وُقّع اليوم.
مصادر الخبر:
–البشير وأفورقي “يتصالحان” في الدوحة والترابي والمهدي يجتمعان في جنيف
–SUDAN-ERITREA: Reconciliation agreement signed
–“قاعدة بيانات اتفاقات السلام” التي تتبع برنامج أبحاث النزاعات بجامعة إدنبرة في المملكة المتحدة
–أشاد بجهود أمير قطر: البشير وافورقي يوقعان اتفاقاً بانهاء الخلافات
–ترحيب واسع في الخرطوم بمصالحة البشير وافورقي: المعارضة تستبعد طرد عناصرها من الأراضي الإريترية
–Sudan, Eritrea Sign Reconciliation Accord Under Qatari Mediation